المشرق العربي
فقار فاضل
الخميس 9 تشرين اول 2025
مشاريع استثمارية خليجية دخلت العراق برؤوس أموال ضخمة، كأدوات دعم مشروط (أ ف ب)
بغداد | مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية في 11 تشرين الثاني المقبل، تتصاعد الاتهامات حول دخول المال الخارجي على خطّ الحملات الانتخابية، وسط تحذيرات من تأثيره على نزاهة العملية الديمقراطية وشفافيتها. وكشفت مصادر سياسية عراقية، لـ«الأخبار»، عن تمويلات خارجية قادمة من دول إقليمية، وخصوصاً خليجية، قالت إنها تدعم أحزاباً ومرشّحين من مختلف المكونات، سنّةً وشيعةً وتركماناً، بل وتمتد أحياناً إلى دعم حملات قيادات بارزة ضمن تيار رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، الساعي إلى ولاية ثانية.
وأشارت المصادر إلى أن هذه الدول لا تكتفي بدعم الأحزاب مالياً ولوجستياً، بل تتدخّل مباشرة في وضع مرشحين على قوائم لتضمن ولاءهم السياسي، مضيفة أن «هناك مشاريع استثمارية خليجية دخلت إلى العراق برؤوس أموال ضخمة، ولكنها في الأصل تُمارَس كأدوات دعم مشروط، يُفترض أن تُستثمر سياسياً عبر توجيه القوائم الفائزة نحو أهداف تلك الدول الداعمة».
وتعليقاً على ذلك، أكد الباحث أحمد السعدي أن «الأموال الداخلية تُستغل انتخابياً، وهناك جهات خارجية أجنبية ترعى بعض القيادات السياسية بشكل غير معلن»، متحدثاً عن «وجود دعم تركي مخصّص للمكون السنّي، وخصوصاً لقيادات مثل خميس الخنجر، فضلاً عن دعم تركماني في كركوك، مع دعم قطري أيضاً لحلفاء محليين في الدوائر السنية». وردّاً على الاتهامات، دافعت «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» بأن «التعليمات الناظمة للإنفاق الانتخابي تشدّد على منع استلام أيّ مساهمات أو تبرّعات من جهات أجنبية، أو من مؤسسات الدولة، أو الشركات العامة، أو المصارف الحكومية».
وأوضح مساعد الناطق الإعلامي في المفوضية، نبراس أبو سودة، أن «سقف الإنفاق الانتخابي للمرشح الفرد يُحسب وفق عدد الناخبين في الدائرة، وأن أي مساهمات - حتى العينية منها - تُحتسب ضمن السقف»، مضيفاً أن «كلّ مرشح أو حزب ملزم بتعيين محاسب مالي مؤهل، وتقديم تقرير مالي أولي خلال 15 يوماً من يوم الاقتراع، وكشف مالي نهائي خلال 30 يوماً من إعلان النتائج الأولية، مع تفصيل جميع النفقات والمساهمات».
غالباً ما يُدار التمويل الأجنبي عبر قنوات معقّدة للتستّر
ولا يُعدّ التمويل السياسي الخارجي ظاهرة جديدة في العراق، بل له جذور عميقة تمتدّ إلى ما بعد سقوط النظام عام 2003، حيث توزّعت اللعبة السياسية بين أطراف كثيرة، ونشأت علاقات تبعية بين أطرافها وبين جهات إقليمية ودولية. وشكّل المزج بين المال السياسي المحلّي والأجنبي، وبين الاستثمارات والتنمية السياسية، بيئة مضطربة جعلت التنافس الانتخابي أقلّ نزاهة، وأكثر اعتماداً على النفوذ الخارجي على حساب البرامج الانتخابية.
وإذ يمثّل ذلك خرقاً خطيراً للقوانين الانتخابية التي تمنع التمويل الأجنبي، وتقويضاً لمبدأ المنافسة النزيهة بين المتنافسين، فإن إدارة التمويل الأجنبي عبر قنوات معقّدة، من مثل استخدام وسطاء محليين أو شركات استثمارية تعمل كغطاء مالي، تجعل مهمّة «المفوضية العليا للانتخابات» وهيئات الرقابة المالية أكثر صعوبة في تتبّع مصادر الأموال ومصارفها.
وفي هذا الإطار، شدّد قاض عراقي بارز، في حديث إلى «الأخبار»، على أنه «لا يمكن الاعتماد على الادّعاء وحده، بل لا بدّ من تحقيق مستقل يديره القضاء أو هيئة رقابية مستقلة تكشف أرقاماً دقيقة، وتجري تحقيقات في الحسابات البنكية والتحويلات الدولية». وبيّن أنه «من الممكن أن يُطلب الكشف عن الحسابات البنكية الخارجية للمرشحين والأحزاب، وتحليل التحويلات عبر البنوك أو المؤسسات المالية، وربطها بهوية الجهات الداعمة. كما يمكن الاستفادة من الاتفاقيات الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في هذا السياق».
وإلى جانب ذلك، لفت القاضي إلى أهمية أن «تتكامل الشهادات والتقارير الميدانية للمراقبين المستقلين، والمقابلات مع مقرّبين من الأحزاب أو كيانات الحكم المحلي، للتحقّق مما إذا كانت الأموال الواردة تُستخدم فعلياً في الحملة الانتخابية أو تُحوَّل لاحقاً إلى فائدة سياسية غير معلنة».